سورة القيامة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)}
{بلى} أي نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميمًا ورفاتًا في بطون البحار وفسيحات القفار وحيثما كانت حال كوننا {قادرين} فقادرين حال من فاعل الفعل المقدر بعد بلى وهو قول سيبويه وقيل منصوب على أنه خبر كان أي بلى كنا قادرين في البدء أفلا نقدر في الإعادة وهو كما ترى وقيل انتصب لأنه وقع في موضع نقدر إذ التقدير بلى نقدر فلما وضع موضع الفعل نصب حكاه مكي وقال إنه بعيد من الصواب يلزم عليه نصب قائم في قولك مررت برجل قائم لأنه في موضع يقوم فتأمل وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع قادرون أي نحن قادرون {على أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ} هي اسم جنس جمعي واحده بنانة وفسرها الراغب بالأصابع ثم قال قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبين بها ما يريد أي يقيم غيره بما صغر من عظام الأطراف كاليدين والرجلين وفي القاموس البنان الأصابع أو أطرافها فالمعنى نجمع العظام قادرين على تأليف جمعها وإعادتها إلى التركيب الأول وإلى أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه أو على أن نسوي ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولًا من غير نقصان ولا تفاوت فكيف بكبار العظام وما ليس في الأطراف منها وفي الحال المذكورة أعني قادرين على إلخ بعد الدلالة على التقييد تأكيد لمعنى الفعل لأن الجمع من الأفعال التي لابد فيها من القدرة فإذا قيد بالقدرة البالغة فقد أكد والوجه الأول من المعنى يدل على تصوير الجمع وأنه لا تفاوت بين الإعادة والبدء في الاشتمال على جميع الأجزاء التي كان بها قوام البدن أو كماله والثاني يدل على تحقيق الجمع التام فإنه إذا قدر على جمع الألطف إلا بعد عادة عن الإعادة فعلى جمع غيره أقدر ولعله الأوفق بالمقام ويعلم منهما نكتة تخصيص البنان بالذكر وقيل المعنى بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه أن نجعلها مستوية شيئًا واحدًا كخف البعير وحافر الحمار ولا نفرق بينها فلا يمكنه أن يعمل بها شيئًا مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال والبسط والقبض والتأتي لما يريد من الحوائج وروي هذا من ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك ولعل المراد نجمعها ونحن قادرون على التسوية وقت الجمع فالكلام يفيد المبالغة السابقة لكن من وجه آخر وهو أنه سبحانه إذا قدر على إعادته على وجه يتضمن تبديل بعض الأجزاء فعلى الاحتذاء بالمثال الأول في جميعه أقدر وأبو حيان حكى هذا المعنى عن الجمهور لكن قيد التسوية فيه بكونها في الدنيا وقال أن في الكلام عليه توعدًا ثم تعقب ذلك بأنه خلاف الظاهر المقصود من سوق الكلام والأمر كما قال لو كان كما فعل فلا تغفل ولا يخفى أن في الإتيان بلا أولًا وحذف جواب القسم والإتيان بقوله سبحانه: {أيحسب} ورعاية أسلوب.
وثناياك أنها اغريض ***
في القسم بيوم البعث والمبعوث فيه ثم إيثار لفظ الحسبان والإتيان بهمزة الإنكار مسندًا إلى الجنس وبحرف الإيجاب والحال بعدها من المبالغات في تحقيق المطلوب وتفخيمه وتهجين المعرض عن الاستعداد له ما تبهر عجائبه ثم الحسن كل الحسن في ضمن حرف الإضراب في قوله سبحانه:


{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)}
{بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} وهو عطف على {أيحسب} جىء للإضراب عن إنكار الحسبان إلى الإخبار عن حال الإنسان الحاسب بما هو أدخل في اللوم والتوبيخ من الأول كأنه قيل دع تعنيفه فإنه أشط من ذلك وأنى يرتدع وهو يريد ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه أو هو عطف على يحسب منسحبًا عليه الاستفهام أو على أيحسب مقدرًا فيه ذلك أي بل أريد جىء به زيادة إنكار في إرادته هذه وتنبيهًا على أنها أفظع من الأول للدلالة على أن ذلك الحسبان جرده إرادة الفجور كما نقول في تهديد جمع عاثوا في البلد أيحسبون أن لا يدخل الأمير بل يريدون أن يتملكوا فيه لم تقل هذا إلا وأنت مترق في الإنكار منزل عبثهم منزلة إرادة التملك وعدم العبء كان الأمير وإلى هذين الوجهين أشار جار الله على ما قرر في الكشف والوجه الأول أبلغ لأن هذا على الترقي والأول إضراب عن الإنكار وإيهام أن الأمر أطم من ذلك وأطم وفيهما إيماء إلى أن ذلك الإنسان عالم بوقوع الحشر ولكنه متغاب واعتبر الدوام في ليفجر لأنه خبر عن حال الفاجر بأنه يريد ليفجر في المستقبل على أن حسبانه وإرادته هما عين الفجور وقيل لأن أمامه ظرف مكان استعير هنا للزمان المستقبل فيفيد الاستمرار وفي إعادة المظهر ثانيًا ما لا يخفى من التهديد والنعي على قبيح ما ارتكبه وأن الإنسانية تأبى هذا الحسبان والإرادة وعود ضمير أمامه على هذا المظهر هو الأظهر وعن ابن عباس ما يقتضي عوده على يوم القيامة والأول هو الذي يقتضيه كلام كثير من السلف لكنه ظاهر في عموم الفجور قال مجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي في الآية أن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبدًا قدمًا راكبًا رأسه ومطيعًا أمله ومسوفًا لتوبته وهو حسن لا يأبى ذلك الإضراب وفيه إشارة إلى أن مفعول يريد محذوف دل عليه ليفجر وقال بعضهم هو منزل منزلة اللام ومصدره مقدر بلام الاستغراق أي يوقع جميع إرادته ليفجر وعن الخليل وسيبويه ومن تبعهما في مثله أن الفعل مقدر صدر مرفوع بالابتداء وليفعل خبر فالتقدير هنا بل إرادة الإنسان كائنة ليفجر.


{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
{يَسْئَلُ} سؤال استهزاء {أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} أي متى يكون والجملة قيل حال وقيل تفسير ليفجر وقيل بدل منه واختار المحققون أنه استئناف بياني جىء به تعليلًا لإرادة الدوام على الفجور إذ هو في معنى لأنه أنكر البعث واستهزأ به وفيه أن من أنكر البعث لا محالة يرتكب أشد الفجور وطرف من قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا}

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8